اعتبر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة أنّ "ما يحصل الآن في لبنان هو المزيد من الإطباق من قبل حزب الله والتيار الوطني الحر على الدولة اللبنانية، وذلك في محاولة منهما لحرف الانتباه عن المشكلات الأساسية التي يعاني منها لبنان، وتنفيذاً لسعي مستمر من قبلهما ومن قبل حلفائهما من أجل إيجاد كبش محرقة وتحميله المسؤولية عما جرى ويجري وكأن المشكلات كلها تقع على عاتق مصرف لبنان وهذا امر غير صحيح".
وفي حديث تلفزيوني، أشار إلى أن "هناك مشكلات عديدة تراكمت على مدى سنوات نتيجة الاستعصاء من قبل الحكومات والمجالس النيابية والأحزاب السياسية عن القيام بالإصلاحات الضرورية لمعالجة المشكلات المالية المتفاقمة، وبالتالي عدم المبادرة إلى خفض العجز في الموازنة والخزينة وفي مقدم تلك المشكلات تأتي مشكلة الكهرباء"، موضحاً أن "الاستعصاء والإصرار على عدم الاستماع لكل النصائح والتنبيهات التي كنا نوجهها من أجل ترشيق الدولة والحدّ من الإنفاق والعمل على تعزيز الإيرادات لخزينة الدولة اللبنانية، هو ما كان يتسبّب بتفاقم العجوزات. لكن الامور تعقدت كثيراً خلال السنوات العشر الماضية، وذلك مع تردي الوضع الاقتصادي بعد الانقلاب الذي قام به حزب الله وحلفاؤه وفي مقدمهم التيار الوطني الحر لإسقاط حكومة سعد الحريري في مطلع العام 2011، والذي أسهم في تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة أصلاً في لبنان. إذ انخفض النمو الاقتصادي بشكل كبير وتفاقم حال العجز في الموازنة والخزينة، وتسبّب في حصول عجز كبير ومستمر في ميزان المدفوعات منذ العام 2011 وحتى الآن".
وأضاف: "لقد تفاقمت تلك المشكلات بعد التسوية الرئاسية في العام 2016، وهي التسوية التي جلبت معها توجهات جديدة وممارسات مستهجنة حافلة بالأحقاد والتشنجات المثيرة للتطرف وإثارة المشاعر والتصرفات الشعبوية. ذلك بالإضافة إلى تصاعد واستمرار المحاولات من قبل التيار الوطني الحر وحزب الله من أجل الإطباق على الدولة اللبنانية في إداراتها ومؤسساتها، وذلك خلافاً للدستور ولصالح تسليط نفوذ الدويلات الطائفية والمذهبية والميليشياوية على الدولة اللبنانية، والتسبب بالتالي بإحداث المزيد من الاختلالات في التوازنات الداخلية في لبنان، وزيادة حدّة الاختلالات في التوازنات في سياسة لبنان الخارجية بحيث أصبح لبنان وعلى نقيض مما كان ينتهجه لبنان في الماضي من سياسات، على خلاف مع اشقائه العرب، وذلك بما يتعارض مع مصالح لبنان واللبنانيين. ذلك مما فاقم الخلل والتردي في الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان، وأصبح يحول دون حصول لبنان على الدعم من أشقائه ومن أصدقائه حول العالم".
واعتبر أن "المؤسف أنّ هذه الحكومة برئاسة حسان دياب هي التي تقوم بتطبيق تلك المخططات التي يسعى إلى تنفيذها التيار الوطني الحر بدعم وتغطية من حزب الله. وذلك ما أدى بدوره إلى حالة من التخبط والارتباك في السياسات المالية والإدارية والنقدية والذي انعكس بإحداث المزيد من المشكلات الداخلية والتردي، والذي ترافق مع انطلاق الانتفاضة في 17 تشرين الأول الماضي".
ورأى أنه "بدلاً من التجاوب مع مطالب الانتفاضة، ومع ما يحتاجه لبنان من تنفيذ لإصلاحات أساسية، فقد كان هناك المزيد من الإصرار والممانعة عن اتخاذ القرارات الصحيحة التي تستعيد الثقة المنهارة في الحكم والحكومة والذي أدّى بدوره إلى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي والعملات الأجنبية. والنتيجة استمرار الاداء السيء للحكومة وللعهد والامتناع عن معالجة المشكلات المنهالة على لبنان بسبب ذلك الأداء السيء، والذي يؤدي بدوره الى انحسار كامل للثقة لدى اللبنانيين في الحكومة وفي العهد، وكذلك في عدم الثقة بهما من قبل المجتمعين العربي والدولي وكذلك في الدولة اللبنانية".
ولفت إلى أن "مما أسهم في إحداث المزيد من التردي في الأوضاع العامة في لبنان، وزاد الطين بلة، الحديث عن ما يسمىhaircut. أي محاوله الاقتصاص من المودعين اللبنانيين وتحميلهم المسؤولية عن ما كان يجري من ممارسات على مدى السنوات العشر الماضية، وتحديداً على مدى السنوات الأربعة الماضية، أي بعد التسوية الرئاسية التي أتت بالجنرال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية. هذا التردي الكبير في الأوضاع العامة هو ما يعاني منه اللبنانيون كثيراً".
واعتبر أن "الوضع الان لم يعد يحتمل المزيد من الانتظار ولم يعد لدى لبنان ترف الاختيار بين خيارات كثيرة. ولذا لم يعد من الممكن الاستمرار في حالة الارتباك والتخبط والتقاعس عن القيام بما ينبغي ان تقوم به الدولة اللبنانية لجهة المسارعة إلى تصويب البوصلة، وذلك باعتماد سياسات مالية ونقدية وقطاعية وإدارية واضحة، وكذلك أيضاً ولاسيما باعتماد سياسات داخلية وخارجية واضحة، إذ أصبح ينبغي على الدولة بجميع مؤسساتها الدستورية الالتزام قولاً وعملاً بأحكام الدستور وبأحكام القوانين، ولما فيه مصلحة الدولة اللبنانية وبسط سلطتها الكاملة على أراضيها ومرافقها، وكذلك الالتزام بالأحكام التي تنص على استقلالية القضاء والعودة إلى احترام قواعد الكفاءة والجدارة في إيلاء المناصب في الدولة لمستحقيها استناداً إلى تلك القواعد".
ولفت إلى أن "المؤسف أنه، وحتى الان، وعلى سبيل المثال، لم تقدم الحكومة اللبنانية على حل مشكلة التشكيلات القضائية ولم تبادر إلى تنفيذ ما أقره مجلس القضاء الأعلى. كذلك أيضاً لم تقدم الحكومة على معالجه المشكلة المزمنة المتعلقة بالكهرباء، وهي مازالت مصرّة على عدم تطبيق قانون الكهرباء الذي أقرّ منذ ثمانية عشر عاماً. وأيضاً مازالت الحكومة تستعصي على تنفيذ القانونين الآخرين اللذان أقرا في العام 2002، والمتعلقين بقطاع الاتصالات والطيران المدني. كذلك أيضاً مازالت الحكومة تتمنَّع عن إجراء حوار حقيقي وجدّي مع صندوق النقد الدولي لمساعدتها في معالجة المشكلات المالية والنقدية والاقتصادية المتفاقمة وللإسهام بالتالي في اكتساب ثقة المجتمعين العربي والدولي في الوقت الذي أمسى لبنان بحاجة ماسة لمساعدتهما".
وأشار إلى أن "هناك وسائل للخروج من هذا المآزق المتكاثرة على لبنان. ولكن كلما زاد هذا الاستعصاء واستمرت عدم المبادرة للقيام بما ينبغي على الحكومة القيام به من اصلاحات حقيقية بما في ذلك تصويب البوصلة السياسية للعهد والحكومة في الداخل والخارج من أجل اكتساب الثقة من اللبنانيين، وكذلك أيضاً من المجتمعين العربي والدولي كلما ازدادت الصعوبات وتفاقم التردي بما ينذر بانعكاسات خطيرة. تجدر الإشارة إلى أنّ الحاجة للإصلاح وإعادة تصويب البوصلة الداخلية والخارجية لإصلاح الاختلال المتفاقم أصبحت كلّها أيضاً أكثر إلحاحاً بسبب جائحه الكورونا التي زادت الامور تعقيدا وزادت من صعوبة الاوضاع الاقتصادية والمالية وتسببت بالمزيد من التردي".
وأوضح أن "الوسائل الحقيقية للبدء في الخروج من هذه المآزق، والتي أصبحت تكتنفها صعوبات كبيرة يبدأ وكما قلت بعودة الدولة والحكم والحكومة لاحترام الدستور والقوانين اللبنانية إذ لا يمكن للحكومة أن تستمر هكذا وبهذا القدر من اللامبالاة. وكذلك لا يمكن للعهد ان يستمر في الاخلال بالتوازنات الداخلية، وكذلك الخارجية في سياسة لبنان الخارجية وأيضا في خرق الدستور. هذه الامور هي التي تزيد الامور تعقيدا وتحول دون تمكن لبنان من القدرة على معالجة مشكلاته. وكما يظهر أنّ هناك استياءً متصاعداً لدى اللبنانيين بسبب التردي في الأوضاع الاجتماعية والمعيشية".
ورأى أن "ما يسعى اليه التيار الوطني وبمؤازرة من حزب الله هو لتحميل المصرف المركزي كل المسؤولية ومن ذلك تحميل الحاكم مسؤولية اضطرار لبنان للتقيد بالإجراءات التي تفرضها الإدارة الأميركية. والحقيقة أنّ ما يقوم به المصرف المركزي ليس لان لبنان يريد ان ينصاع للإدارة الأميركية بل لأنّ لبنان لا يستطيع إلاّ أن يتقيّد بتلك الإجراءات إذا كان يريد ان يستمر جزءاً من النظام المالي العالمي. إنّ مصلحة لبنان تقضي عليه ذلك والا سيتعرض النظام المصرفي اللبناني لعقوبات لا يستطيع تحملها ويكون لبنان هو الخاسر الأكبر ومعه جميع اللبنانيين. وبالتالي فإنّ اضطرار مصرف لبنان للالتزام بتلك القرارات هو الذي أثار حفيظة حزب الله، وبالتالي فإنّ الحزب يريد تحميل مصرف لبنان تلك المسؤولية".
وأكد أن "ما يقوم به في هذا الخصوص ليس إلاّ محاولة لحرف الانتباه ولتمكين حزب الله من الإطباق على ما تبقى من لبنان. وعندها لا يقتصر الإمساك على كل ما له علاقة بالسياسة والإدارة في لبنان ولكن الإطباق يمتدّ بعدها إلى الاقتصاد اللبناني وإلى القطاع المصرفي مع ما ينجم عن ذلك من مخاطر كبيرة على الاقتصاد اللبناني والنظام الاقتصادي الحر وعلى لبنان واللبنانيين".
وأضاف: "هذا الامر غير مقبول ومن الطبيعي أن تكون هناك مواقف تؤخذ من قبل رؤساء الحكومة السابقين. فهم قد أصدروا مواقف في هذا الشأن منذ فترة. ولقد كانت هناك مواقف في هذا الخصوص عبّرت عنها انا أيضاً وعبر عنها نجيب ميقاتي وتمام سلام من عدّة أيام، كذلك كانت هناك مواقف واضحة وصريحه من قبل سعد الحريري"، قائلاً: "اعتقد ان هذه الامور سيصار الى متابعتها وستكون هناك مواقف يعبر عنها رؤساء الحكومة ليس فقط لكونهم رؤساء حكومة سابقين، ولكن لأنهم هم أيضاً حريصون على إعادة تصويب وتقويم الأوضاع في لبنان، ويكون ذلك في مواقف وطنية لمعالجة هذه الأوضاع المتردية".